أصول المعرفة الإسلامية: القرآن الكريم
أولا: القرآن أساس مصادر المعرف الإسلاميةتعريف القرآن الكريم: القرآن لغة : مشتق من قرأ بمعنى تلا، أو من فرى بمعنى جمع. يقول تعالى: { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ17 فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه} وشرعا: هو كلام الله تعالى ووحيه المنزل على خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم يلفظه ومعناه، المكتوي في المصحف المنقول إلينا بالتواتر المتعبد بتلاوته المتحدي بإعجازه، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس.
القرآن الكريم مصدر المعرفة الإسلامية: القرآن الكريم حسم إشكالية الهوية المعرفية للإنسان لأنه البيان المصور والمفصل للكون والإنسان، والمجيب عن كل التساؤلات والمنير لكل القضايا التي تؤهل فكر الإنسان لاكتشاف السنن.يقول تعالى: { يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} ٌ26 النساء.
المعرفة في القرآن الكريم:القرآن الكريم يقدم بناء معرفيا متنا يقوم على الاتساق والتكامل بين ظواهر الكون وحقائق الإنسان وغاية الوجود . ويتأسس على دقيق لمصدر المعرف ووسائلها وأنواعها ومجالاتها ومميزاتها:
* مصادر المعرفة: للمعرة مصدران رئيسيان متكاملان:1- الوحي الإلهي: القرآن والسنة النبوية أي الكتاب المسطور. 2- الوجود الكوني: عالم الشهادة أي الكتاب المنظور.
وبين الكتابين تشابه ووحدة واتساق وتكامل لأنهما ينطلقان بنفس الحقائق ويتسمان بنفس الخصائص حتى أصبح الوحي كون مقروء والوجود الكوني وحي منظور.
* طبيعة المعرفة: المعارف والعلوم ثلاثة أنواع:1- العلم الفطري : وهو العلم الضروري الذي خلقه الله تعالى مركوزا في فطرة الإنسان ومنه العلم بالبدهيات العقلية وبالله وبالأسماء يقوا تعالى: َ{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِين}31 البقرة.
2- علم النبوة: وهو العلم الرباني الذي وصل إلى الإنسان من طريق الوحي: ُ{ كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}
3- المعارف الاكتسابية : وهي المعارف التي يكتسبها الإنسان من الوحي أو الكون أو كليهما بالحس والتجربة والعقل والحدس، { وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} 78 النحل.
*
مجالات المعرفة: للمعرفة في القرآن مجالات كثيرة منها:1- المجال الطبيعي أو عالم الشهادة: ويدرك بالحواس والتجربة والعقل.
2- المجال الغيبي: وطريق اكتسابه الوحي والعقل السليم يسلم بوجوده .
*
خصائص ومميزات المعرفة: يحددها القرآن الكريم وهي كثيرة منها:- خاصية التوحيد: وهي الغاية العظمى (وحدانية الله تعالى) التي توحد بين كل أصناف المعارف وأنماطها وكل مناهج الاستدلال وطرقه.
- خاصية الوحدة: وحدة الخلق التي تستلزم وحدة النظام والسنن والمنهج، وبالتالي وحدة الحقيقة وإن تنوعت مناهج طلبها.
- خاصية التكامل: وتعني التكامل بين الوجود والوحي وبين النظر والعمل وبين المعرفة العلمية والمعرفة الغيبية ( مبدأ وحدة الخلق).
- خاصية التعبد: المعرفة في الرؤية القرآنية ليست غاية في حد ذاتها بل يطلب العلم للعمل، ولهذا القصد يرفع طلب العلم إلى درجة العبادة.
- خاصية الإعمار: الأصل في المعرفة أن تسهم في إسعاد الإنسان وإعمار الأرض.
ثانيا: مقاصد القرآن وخصائصه
* مقاصد القرآن: للقرآن الكريم مقاصد سامية وغايات نبيلة من أهمها:+ هداية العالمين إلى الحق الخير: يقول تعالى: { إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيرا}ً9
ومن القواعد السلوكية والمنهجية لمقصد الهداية:- القرآن الكريم يحدد قضية الحياة ونظامها. - القرآن كتاب هدي للجماعة والفرد. - القرآن أنزل للعمل به، لأن قصد العمل به من سنن الفهم.
+ معجزة خالدة ومتجددة: إذا كان القرآن الكريم معجزة خالد ومتجددة فهذا دليل قاطع على ربانية المنهج وصدق الحق سبحانه يقول تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53 .
+ ذكر مبارك يتلى: بتلاوة القرآن وتدبر معانيه والعمل به يتقرب الناس إلى الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} 29 فاطر.
+ شرعة ومنهاج: القرآن الكريم ميزان قسط للحكم بالحق وإقامة العدل بين الناس. { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } 48 المائدة
* خصائص القرآن الكريم: له عدة خصائص تشير إليها أسماؤه وأوصافه.القرآن نور:يقول تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِينا} النساءً174.نور بالقرآن الكريم يدرك بالبصيرة التي موقعها القلب الحي السليم ، وله خاصتين :
1- خاصية البيان: يقول تعالى: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِ} القمر17. أي أن القرآن الكريم ميسر للفهم ومعارفه وتعاليمه بينة لا لبس فيها ولا غموض.
2-خاصية الشمول والإحاطة: القرآن الكريم يشتمل على كل المعارف والقوانين المحققة لإخراج الناس من الظلمات إلى النور يقول تعالى: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} النحل 89.
ومن القواعد السلوكية والمنهجية لخاصية النورانية:-التقوى : لأنه شرط لتعلم القرآن وفهمه وتدبره، وكل انحراف أو فساد أو تعلق مفط بالدنيا يؤدي على انسداد القلب عن حقائق القرآن: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} محمد 24
- نور القرآن يرى بعين القلب المسماة البصيرة، والكفر والفسوق حجاب وغطاء وعمى.
القرآن محكم: يتصف القرآن الكريم بمستوى عال من الإتقان في البناء والقوة في الحجة والدليل، بحيث لا تزيغ به الهواء ولا يأتيه الباطل، قال تعالى:{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}فصلت 42 ، كما أنه يصدق بعضه بعضا ويفسر بعضه بعضا. { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ} الزمر23.
ومن القواعد السلوكية والمنهجية لخاصية الإحكام:- القرآن معجز في علميته وينبغي أن نقصد من فهمه وتدبره اكتشاف المنهج الاستدلالي والبناء البر هاني
- القرآن يوضح بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا ، ومن تصور فيه الاختلاف والتناقض انغلق عليه إدراك وحدة وإحكامه.
ثالثا : الضوابط السلوكية والمنهجية للتدبر في القرآن الكريم
1- مفاتيح الدخول إلى رحاب القرآن : الضوابط السلوكية: - الوضوء: { لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُون} الواقعة 79
- الدعاء والطلب: من أهم مفاتيح فهم القرآن ووعيه ، أن نستعين بالله تعالى ونطلب منه أن يؤهلنا لبلوغ أفق القرآن وأن يرزقنا فهم.
- الخشوع: لتلاوة تأثير عجيب في إزالة اقسوة والصدإ المتراكم على القلوب بفعل السيآت والشواغل يقول تعالى: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد} الزمرٍ23
- المداومة على قراءته: للورد القرآني أثر قوي في تعميق الصلة بالله وبكلامه، خاصة إذا اقترن بصلاة الليل ، لأن قراءة الليل يتواطأ فيها قلب المصلي ولسانه وسمعه على الفهم . قال تعالى: { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلا } المزمل6. - تحكيم القرآن: أي اتخاذه مقياسا للحق والباطل ومعيارا لفهم الإنسان وعلاقاته الاجتماعية، وفهم أمور الحياة.
- تحمل هموم العبودية والدعوة على الله: أي ما يرتبط بعهود العبودية والاستخلاف وأمور المسلمين والدعوة إلى الله تعالى.
2- مفاتيح الدخول إلى رحاب القرآن : الضوابط المنهجية:- القصد إلى الفهم والعمل: وذاك منهج النبي (ص) في تعليم القرآن الكريم. - ترتيل القرآن: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} المزملً4
- التكرار والتجاوب مع القرآن: وهذا تطبيق نبوي عملي ظهر أثره بالتسبيح والدعاء والتعوذ. - التدبر والتأمل: استعمال المسلم لكل قدراته العقلية والروحية لفهم القرآن وتحصيل علومه. ـ المدارسة الجماعية: قال رسول الله (ص) " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، بتلون كتاب اتلله ويتدارسونه بينهم ن إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم
الله فيمن عنده".