اليســـر ورفــع الحـــرج
اليُسْرُ لغة : ضد العُسْرِ . ومنه " الدِّين يُسْرٌ " أي سهلٌ سَمْحٌ قليل التشديد .
أما في الاصطلاح : تطبيق الأحكام الشرعية بصورة معتدلة كما جاءت في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، من غير تشدُّد يُحرِّم الحلال ، ولا تميُّع يُحلِّل الحرام .
ويدخل تحت هذا المسمى السماحة والسعة ورفع الحرج وغيرها من المصطلحات التي تحمل المدلول نفسه .
والحرج فى اللغة : الضيق والشدة . قال في الصحاح : مكان حَرَج و حَرج أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية . وفى الاصطلاح : كل ما يؤدى إلى مشقة زائدة في البدن أو النفس أو المال حالا أو مآلا .
والمقصود برفع الحرج : إزالة ما يؤدي إلى هذه المشاق . قال تعالى : " وما جعل عليكم في الدين من حرج.
إن رفع الحرج والسهولة والسماحة التي تميز بها هذا الدين نابع من الاعتدال والوسطية التي حث عليها
{ وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} فلا إفراط ولا تفريط ، والتنطع والتشديد حرج في جانب عسر التكليف ، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو في التدين، وأنكر على من بالغ من أصحابه في التعبد والتقشف مبالغة تخرجه عن حد الاعتدال .
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " لا تشددوا على أنفسكم، فيشدد عليكم، فإن أقواماً شددوا على أنفسهم، فشدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ . .
وإن المتصفح لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسِيَرِ أصحابه رضي الله عنهم ومن تبعهم من سلفنا الصالح وجد أن نهجهم مبني على السماحة والتيسير؛ فما خُيِّر صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً
مظاهر رفع الحرج في الشريعة : إن السمة البارزة في أحكام الشريعة هى اليسر والسهولة ، وهذا أمر يزداد وضوحا بالوقوف على الحقائق التالية :
1-
أن الله وضع عن هذه الأمة الإصر والأغلال التي كانت على من قبلهم : قال تعالى في صفة نبيه وحقيقة ما أُرسل به : " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " .
وذكر سبحانه من دعاء المؤمنين قولهم : " ربنا ولاتحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ".
2-
شرعية الرخص في الأحوال الطارئة التي تقع فيها مشقة غير معتادة ، وشرعية التخفيف عن المكلف ، وذلك أن العبادات إذا لحقها مشقة غير معتادة لعارض كالسفر أو المرض أو غيره شرع الله تعالى التخفيف عن المكلف ،
وتخفيفات الشرع على سبعة أقسام :الأول :
تخفيف إبدال : كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم ، والقيام في الصلاة بالقعود والاضطجاع ، والصيام بالإطعام .
الثاني :
تخفيف تنقيص : كتخفيف الصلاة للمسافر بأن يصلى الأربع ركعات ركعتين في القصر .
الثالث :
تخفيف إسقاط : كإسقاط الجمعة والحج والعمرة والجهاد بالأعذار .
الرابع :
تخفيف تقديم : كالجمع ، وتقديم الزكاة على الحول ، والكفارة على الحنث .
الخامس :
تخفيف تأخير : كالجمع ، وتأخير رمضان للمسافر والمريض .
السادس :
تخفيف ترخيص : كصلاة المستجمر مع بقية النجو .
السابع :
تخفيف تغيير : كتغيير نظم الصلاة في الخوف .
3-
أن الله عز وجل لم يكلف عباده ابتداءا بما لايستطيعون وبما لايقدرون عليه رفعا للحرج عنهم ، قال تعالى : " لا تُكلف نفس إلا وسعها " .وقال تعالى : " لايكلف الله نفسا إلا ما آتاها " .
فأحكام الشرع ابتداءا سهلة مقدور عليها ليس فيها عنت ولا مشقة ، فرفع الحرج وصف للشريعة كلها نابع من طبيعتها وسهولة أحكامها .
4-
شمول رفع الحرج للعبادات ، والمعاملات وغيرها ، وهذه أمثلة تبين رفع الحرج فى غير العبادات :
أ-الأصل في المنافع الحل وتقرير هذا الأصل مبنى على أدلة كثيرة منها :
قوله تعالى : " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا " .
فالله عز وجل امتن على عباده بأن خلق لهم ما في الأرض وسخره لهم ولايمتن الله إلا بما هو مباح ، وأنكر سبحانه تحريم شيء من الطيبات إلا بدليل من كتابه أو من سنة نبيه ، وفى ذلك مراعاة لحاجات الناس ورفع الحرج عنهم .